روى الطبرى قال
لما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين قريش كان فيما شرطوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم وشرط لهم أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم وعقده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدهم دخل فيه فدخلت بنو بكر في عقد قريش ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما كانت تلك الهدنة اغتنمتها بنو الديل من بني بكر من خزاعة وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأرا بأولئك النفر الذين أصابوا منهم ببني الأسود بن رزن
وكانت خزاعة قد عدت قبيل الإسلام على بني الأسود بن رزن الديلي وهم منخر بني بكر بن عبد مناة بن كنانة وأشرافهم سلمى وكلثوم وذؤيب فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم قال وكان بنو الأسود يودون في الجاهلية ديتين ديتين ويودى بنو الديل دية دية لفضل بني الأسود فيهم
فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك حجز بينهم الإسلام وتشاغل الناس به فلما كان صلح الحديبية خرج نوفل بن معاوية الديلي في بني الديل وهو يومئذ قائدهم ليس كل بني بكر تابعه حتى بيت خزاعة وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له الوتير فأصابوا منهم رجلا وتحاوزوا واقتتلوا ورفدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا حتى حازوا خزاعة إلى الحرم
وكان ممن أعان من قريش بني بكر على خزاعة ليلتئذ بأنفسهم متنكرين صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو مع
عيرهم وعبيدهم فلما انتهوا إليه قالت بنو بكر يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك فقال كلمة عظيمة إنه لا إله له اليوم يا بني بكر أصيبوا ثأركم فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم أفلا تصيبون ثأركم فيه وقد أصابوا منهم ليلة بيتوهم بالوتير رجلا يقال له منبه وكان منبه رجلا مفؤودا خرج هو ورجل من قومه يقال له تميم بن أسد فقال له منبه يا تميم انج بنفسك فأما أنا فوالله إني لميت قتلوني أو تركوني لقد انبت فؤادي فانطلق تميم فأفلت وأدركوا منبها فقتلوه
فلما دخلت خزاعة مكة لجؤوا إلى دار بديل بن ورقاء الخزاعي ودار مولى لهم يقال له رافع قال فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة وأصابوا منها ما أصابوا ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة وكانوا في عقده وعهده خرج عمرو بن سالم الخزاعي ثم أحد بني كعب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة وكان ذلك مما هاج فتح مكة فوقف عليه وهو في المسجد جالس بين ظهراني الناس فقال
لا هم إني ناشد محمدا ... حلف أبينا وأبيه الأتلدا ...
فوالدا كنا وكنت ولدا ... ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا ...
فانصر رسول الله نصرا أعتدا ... وادع عباد الله يأتوا مددا ...
فيهم رسول الله قد تجردا ... أبيض مثل البدر ينمي صعدا ...
إن سيم خسفا وجهه تربدا ... في فيلق كالبحر يجري مزبدا ...
إن قريشا أخلفوك الموعدا ... ونقضوا ميثاقك المؤكدا ...
وجعلوا لي في كداء رصدا ... وزعموا أن لست أدعو أحدا ...
وهم أذل وأقل عددا ... هم بيتونا بالوتير هجدا ...
فقتلونا ركعا وسجدا
يقول قد قتلونا وقد أسلمنا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم حين سمع ذلك قد نصرت يا عمرو بن سالم وقال إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله المدينة فأخبروه بما اصيب منهم وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة
وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم للناس كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد ويزيد في المدة ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه فلقوا أبا سفيان بعسفان قد بعثته قريش إلى رسول الله ليشدد العقد ويزيد في المدة وقد رهبوا الذي صنعوا فلما لقي أبو سفيان بديلا قال من أين أقبلت يا بديل وظن أنه قد أتى رسول الله قال سرت في خزاعة في الساحل وفي بطن هذا الوادي قال أو ما أتيت محمدا قال لا قال فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان لئن كان جاء المدينة لقد علف بها النوى فعمد إلى مبرك ناقته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه
النوى فقال أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا
ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم طوته عنه فقال يا بنية والله ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني قالت بل هو فراش رسول الله وأنت رجل مشرك نجس فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله قال والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فكلمه فلم يردد عليه شيئا ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله فقال ما أنا بفاعل ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال أنا أشفع لكم إلى رسول الله فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وعنده فاطمة ابنة رسول الله وعندها الحسن بن علي غلام يدب بين يديها فقال يا علي إنك أمس القوم بي رحما وأقربهم مني قرابة وقد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبا اشفع لنا إلى رسول الله قال ويحك يا أبا سفيان والله لقد عزم رسول الله على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه فالتفت إلى فاطمة فقال يا ابنة محمد هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر قالت والله ما بلغ بنيي ذلك أن يجير بين الناس وما يجير على رسول الله أحد
قال يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني فقال له والله ما أعلم شيئا يغني عنك شيئا ولكنك سيد بني كنانة فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك قال أو ترى ذلك مغنيا عني شيئا قال لا والله ما أظن ولكن لا أجد لك غير ذلك فقام أبو سفيان في المسجد فقال أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ثم ركب بعيره فانطلق فلما قدم على قريش قالوا ما وراءك قال جئت محمدا فكلمته فوالله ما رد علي شيئا ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد عنده خيرا ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم ثم جئت علي بن أبي طالب فوجدته ألين القوم وقد أشار علي بشيء صنعته فوالله ما أدري هل يغنيني شيئا أم لا قالوا وبماذا أمرك قال أمرني أن أجير بين الناس ففعلت قالوا فهل أجاز ذلك محمد قال لا قالوا ويلك والله إن زاد على أن لعب بك فما يغني عنا ما قلت قال لا والله ما وجدت غير ذلك
قال وأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم الناس بالجهاز وأمر أهله أن يجهزوه فدخل أبو بكر على ابنته عائشة وهي تحرك بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أي بنية أأمركم رسول الله بأن تجهزوه قالت نعم فتجهز قال فأين ترينه يريد قالت والله ما أدري ثم إن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والتهيؤ وقال اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها فتجهز الناس
فقال حسان بن ثابت الأنصاري يحرض الناس ويذكر مصاب رجال خزاعة ...
أتاني ولم أشهد ببطحاء مكة ... رجال بني كعب تحز رقابها ...
بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم ... وقتلى كثير لم تجن ثيابها ...
ألا ليت شعري هل تنالن نصرتي ... سهيل بن عمرو حرها وعقابها
... وصفوان عودا حز من شفر استه ... فهذا أوان الحرب شد عصابها ...
فلا تأمننا يابن أم مجالد ... إذا احتلبت صرفا وأعصل نابها ...
فلا تجزعوا منها فإن سيوفنا ... لها وقعة بالموت يفتح بابها ...
وقول حسان ... بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم ...
يعني قريشا وابن أم مجالد يعني عكرمة بن أبي جهل
المصدر: تاريخ الطبرى
No comments:
Post a Comment